المبحث الثاني بغداد سياسيّاً وفكريّاً في عصر الكليني
من آفات هذا العصر التي أدّت إلى انتكاسات سياسيّة خطيرة مجيء الصبيان إلى السلطة حتّى صاروا العوبة بيد النساء والأتراك والوزراء والجند وغيرهم من رجال الدولة ، نظير المقتدر بالله ٢٩٥ ـ ٣٢٠ هـ الذي كان عمره يوم وُلي الخلافة ثلاث عشرة سنة [١] ؛ ولهذا استصباه الوزير العبّاس بن الحسن حتّى صار العوبة بيده ، وكان صبيّاً سفيهاً ، فرّق خزينة الدولة على حظاياه وأصحابه حتّى أنفدها [٢].
يرجع تاريخ تدخّل النساء في شؤون الدولة العبّاسيّة إلى عصرها الأوّل ، وتحديداً إلى زمان الخيزران زوجة المهدي العبّاسي ١٥٨ ـ ١٦٩ هـ التي تدخّلت في شؤون دولته ، واستولت على زمام الامور في عهد ابنه الهادي ١٦٩ ـ ١٧٠ هـ [٣] ، وكذلك في هذا العصر حيث تدخّلت قبيحة امّ المعتزّ ٢٥٢ ـ ٢٥٥ هـ في شؤون الدولة [٤].
واستفحل أمر النساء والخدم في عهد المقتدر ٢٩٥ ـ ٣٢٠ هـ ، قال ابن الطقطقي : « كانت دولته تدور امورها على تدبير النساء والخدم ، وهو مشغول بلذّته ، فخربت الدنيا في أيّامه ، وخلت بيوت الأموال » [٥].
وذكر مسكويه ما كان لقهرمانات البلاط العبّاسي من دور كبير في رسم سياسة الدولة [٦].
وقد بلغ الأمر في العصر العبّاسي الأوّل أن ظهر من البيت الحاكم نفسه رجال ونساء عرفوا بالخلاعة والمجون والطرب والغناء ، كإبراهيم بن المهدي المطرب العبّاسي الشهير ، والمغنّية الشهيرة عُلَيَّة بنت المهدي العبّاسي واخت هارون اللارشيد. حتّى إذا ما أشرف عصرهم الأوّل على نهايته بالواثق ٢٢٧ ـ ٢٣٢ هـ تفشّى الغناء والطرب والمجون بين أرباب الدولة.
ثالثاً ـ مجيء الصبيان إلى الحكم :
رابعاً ـ تدخّل النساء والخدم والجواري في السلطة :
25