الفصل الثامن في حاجة الممكن إلى العلة و ما هي علة احتياجه إليها
لها متوقف على وجوب الماهية- المتوقف على إيجاب العلة- و قد تبين مما تقدم- و إيجاب العلة متوقف على حاجة الماهية إليها- و حاجة الماهية إليها متوقفة على إمكانها- إذ لو لم تمكن بأن وجبت أو امتنعت- استغنت عن العلة بالضرورة- فلحاجتها توقف ما على الإمكان بالضرورة- و لو توقفت مع ذلك على حدوثها- و هو وجودها بعد العدم- سواء كان الحدوث علة و الإمكان شرطا- أو عدمه مانعا- أو كان الحدوث جزء علة و الجزء الآخر هو الإمكان- أو كان الحدوث شرطا- أو عدمه الواقع في مرتبته مانعا- فعلى أي حال يلزم تقدم الشيء على نفسه بمراتب- و كذا لو كان وجوبها- أو إيجاب العلة لها هو علة الحاجة بوجه-.
فلم يبق إلا أن يكون الإمكان وحده علة للحاجة- إذ ليس في هذه السلسلة المتصلة المترتبة عقلا- قبل الحاجة إلا الماهية و إمكانها-.
و بذلك يندفع ما احتج به بعض القائلين- بأن علة الحاجة إلى العلة هو الحدوث دون الإمكان- من أنه لو كان الإمكان هو العلة دون الحدوث- جاز أن يوجد القديم الزماني- و هو الذي لا أول لوجوده و لا آخر له- و معلوم أن فرض دوام وجوده يغنيه عن العلة- إذ لا سبيل للعدم إليه حتى يحتاج إلى ارتفاعه-.
وجه الاندفاع- أن المفروض أن ذاته هو المنشأ لحاجته- و الذات محفوظة مع الوجود الدائم- فله على فرض دوام الوجود حاجة دائمة في ذاته- و إن كان مع شرط الوجود له بنحو الضرورة- بشرط المحمول مستغنيا عن العلة- بمعنى ارتفاع حاجته بها-.
و أيضا سيجيء أن وجود المعلول- سواء كان حادثا أو قديما وجود رابط- متعلق الذات بعلته غير مستقل دونها- فالحاجة إلى العلة ذاتية
52