المقدمة في مسلك البحث التفسيري في الكتاب
لكن بين هذه الظواهر أنفسها أمور تبين: أن الاتكاء و الاعتماد على الأنس و العادة في فهم معاني الآيات يشوش المقاصد منها و يختل به أمر الفهم كقوله تعالى: «لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ الآية». و قوله: «لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَ هُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَ هُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ». و قوله: «سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ».
و هذا هو الذي دعا الناس أن لا يقتصروا على الفهم العادي و المصداق المأنوس به الذهن في فهم معاني الآيات كما كان غرض الاجتناب عن الخطاء و الحصول على النتائج المجهولة هو الذي دعا الإنسان إلى أن يتمسك بذيل البحث العلمي، و أجاز ذلك للبحث أن يداخل في فهم حقائق القرآن و تشخيص مقاصده العالية، و ذلك على أحد وجهين، أحدهما: أن نبحث بحثا علميا أو فلسفيا أو غير ذلك عن مسألة من المسائل التي تتعرض له الآية حتى نقف على الحق في المسألة، ثم نأتي بالآية و نحملها عليه، و هذه طريقة يرتضيها البحث النظري، غير أن القرآن لا يرتضيها كما عرفت، و ثانيهما: أن نفسر القرآن بالقرآن و نستوضح معنى الآية من نظيرتها بالتدبر المندوب إليه في نفس القرآن، و نشخص المصاديق و نتعرفها بالخواص التي تعطيها الآيات، كما قال تعالى:
«وَ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ الآية». و حاشا أن يكون القرآن تبيانا لكل شيء و لا يكون تبيانا لنفسه، و قال تعالى: «هُدىً لِلنَّاسِ وَ بَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَ الْفُرْقانِ». الآية و قال تعالى «: وَ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً الآية». و كيف يكون القرآن هدى و بينة و فرقانا و نورا مبينا للناس في جميع ما يحتاجون و لا يكفيهم في احتياجهم إليه و هو أشد الاحتياج! و قال تعالى: «وَ الَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا» الآية و أي جهاد أعظم من بذل الجهد في فهم كتابه! و أي سبيل أهدى إليه من القرآن!.
و الآيات في هذا المعنى كثيرة سنستفرغ الوسع فيها في بحث المحكم و المتشابه في أوائل سورة آل عمران.
ثم إن النبي ص الذي علمه القرآن و جعله معلما لكتابه كما يقول تعالى:
«نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى قَلْبِكَ الآية». و يقول: «وَ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ الآية». و يقول: «يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَ يُزَكِّيهِمْ وَ يُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ الآية». و عترته و أهل بيته (الذين أقامهم النبي ص هذا المقام
في الحديث المتفق
11